في سبيل تعزيز البرمجيات الحرة في المؤسسات العمومية



ترجمة: فيصل الأمين البقالي


تقديم عام :

يقترح هذا المقال سياسة قوية ومحددة في سبيل تعزيز مكانة البرمجيات الحرة2 في مؤسسات الدولة وتوجيه البلد بكامله نحو الحرية المعلومتية.

تتلخص مهمة الدولة -إجمالا- في تنظيم المجتمع وضمان حريته و توفير العيش الكريم له، ولذلك فإن عليها - في الجانب المعلومتي- أن تجعل من مهامها تشجيع المستخدمين على خيار الحرية المعلومتية من خلال تبنيها للبرمجيات الحرة.

إن الدولة بحاجة إلى فرض البرمجيات الحرة على نظمها المعلومتية لأنها بذلك تضمن سيادتها في هذا المجال (بمعنى أن تتولى بنفسها مراقبة نظامها المعلومتي). وبما أن للمستخدمين الحق في التحكم في معلومتيتهم3، فإن ذلك يجعل الدولة مسؤولة أمام مواطنيها بشأن محافظتها على التحكم في الأنشطة المعلومتية الموجهة لفائدتهم. ولما كان كثيرٌ من أنشطة الدولة يمر الآن عبر الوسائط المعلومتية كان تحكمها في هذه الأداة -التي لا تتم إلا بواسطتها تلكم الأعمال- شرطا في قدرتها على التحكم في هذه الأنشطة. إن فقدان التحكم في النظام المعلومتي لمؤسسة وطنية مهمة واحدة إنما هو ضرب في الصميم لمفهوم الأمن القومي.

إن الانتقال نحو البرمجيات الحرة سوف يمكن من فوائد مهمة إضافية (على ما سبق ذكره) تتمثل أساسا في الاقتصاد الذي يوفره للميزانية و الحركية التي يخلقها في الإنتاج المحلي للخدمات المعلومتية.

معالم على طريق تعزيز البرمجيات الحرة في مؤسسات الدولة :

في هذا النص، نعبر بـ"مؤسسات الدولة" عن كل مستويات الشأن العام فنعني بها المؤسسات العامة بما فيها المدارس والمؤسسات التعليمية العامة، و نعني بها شركاء القطاع العام من الخواص، و نعني بها المؤسسات المُمَوَّلة بشكلٍٍ رئيسٍ من الدولة، ونعني بها أيضا الشركات الخاصة التي تتحكم فيها الدولة أو التي أعطتها امتيازات معينة او كلّفتها بمهام خاصة.

    يعتبر المجال السِّياسي الذي يتعلق بالتربية والتعليم الأهم بين كل الانشغالات السياسية على اعتبار أنه المحدد لمستقبل الأمة. لذلك لا يجوز أن تتبنى الأنشطة التربوية التعليمية -خصوصا تلك التي تؤطرها المؤسسات التعليمية التابعة للدولة- إلا البرمجيات الحرة فلا تقود التلاميذ بأي حال من الأحوال نحو أي برنامج خارج إطارها.. كما ينبغي أن تدرس الأسس المدنية التي من أجلها يتم تعزيز حضور البرمجيات الحرة ﻷن تدريس برنامج غير حر إنما هو تدريس (أو قل تكريس) للتبعية وعدم الاستقلال وهو ما ينافي جوهر الرسالة التربوية.

    إن نتائج السياسات العامة المؤثرة في طبيعة البرامج المستخدمة من قبل الخواص والمؤسسات مهمة وأساسية ولذلك:

    ينبغي تعديل القوانين و الممارسات في القطاع العام بحيث لا يكون هناك إكراه أو إجبار بشكل مباشر أو غير مباشر لأي شخص أو مؤسسة على استخدام أي برنامج غير حر. بل وينبغي ألا يتم تشجيع عادات التواصل والنشر التي من شأنها أن تؤدي إلى ذلك (بما في ذلك ما يتعلق بالقوانين التي تعنى بتدبير الحقوق الرقمية4).
    كلما قامت مؤسسة عمومية بتوزيع برامج معينة على العموم بما فيها البرامج التي تستخدم على مستوى مواقع الإنترنيت أو التي تحتاجها هذه المواقع فإنه يلزم أن تكون برامج حرة وقابلة للاستخدام في أوساط حرة تامة5.
    إذا قامت مؤسسة عمومية بتوزيع أي برنامج على العموم بما فيها البرامج المنضمنة في صفحات الويب أو المستلزمة من طرفها، فإنه يتعين على هذه البرامج أن تكون برامج حرة وقابلة للاشتغال في وسط حر تام.
    ينبغي تصميم المواقع الشبكية وخوادم (الحواسب المركزية) مؤسسات الدولة للاشتغال بشكل كامل في أوساط حرّة بشكل تام على مستوى حواسب المستخدمين.
    ينبغي على مؤسسات الدولة أن تستخدم بشكل حصري صيغ الملفات وبروتكولات التواصل المعتمدة في البرمجيات الحرة خصوصا تلك التي تم الإعلان عن خصائصها. ( لا نعلن هذه القاعدة كيما تطبق على ما هو نموذجي بل نحن نعتقد بوجوب تطبيقها حتى على التطبيقات غير النموذجية) قعلى سبيل المثال، لا ينغي توزيع تسجيلات صوتية أو مرئية بصيغ تقتضي وجود برامج كفلاش أو كوديكات غير حرة. وكذلك بالنسبة للمكتبات العامة، فلا ينبغي أن توزع أعمالا مرفقة بوسائل تدبير الحقوق الرقمية.

    هناك الكثير من السياسات التي تمس بالسيادة المعلومتية للدولة. فلذلك على مؤسسات الدولة أن تقوم بالإشراف على نظمها المعلومتية وأن لا تفوته لجهة خاصة معينة مطبقة هذه القاعدة على كل ما له علاقة نظامها المعلومتي سواء تعلق الأمر بالحواسيب أو بالهواتف الذكية :

    فعلى كل مؤسسات الدولة أن تنتقل إلى البرنامج الحر بحيث لا تدخل في نظامها برامج غير حرة ولا تستمر في استخدامها إن كانت موجودة من قبل إلا بشكل مؤقت. وفي هذا السياق ينبغي إعداد وكالة مختصة يرجع إليها البث في مثل هذه الإعفاءات المؤقتة والمبررة أسبابها الملحة بحيث يكون هدفها تقليص هذه الإعافاءات والحاجة إليها إلى الصفر .
    عندما تقوم مؤسسة عمومية بتمويل مشروع معلومتي فإنه يجب التنصيص في العقد على وجوب جعل البرنامج حرا وقادرا على الاشتغال في وسط حر تام. كما ينبغي التنصيص على أن الإخلال بهذا الشرط عائق دون الأداء.
    عندما يتم شراء أو كراء أجهزة حاسوبية، فإنه ينبغي اختيار النماذج الأوفق من حيث النوعية والخصائص والقدرات للاشتغال بدون أي برنامج ممتلك (غير حر). ولهذا يجب توفير لائحة بالنماذج الموافقة لمحددات البرمجيات الحرة مع تفضيل ما توفر منها للدولة وللعموم على المتوفر للدولة فقط.
    على الدولة أن تقوم بعمليات تفاوضية قوية مع أرباب الصناعة من أجل تغذية السوق (سواء بالنسبة للدولة أو للعموم) بشكل تفضيلي بالأجهزة الحاسوبية المناسبة والتي لا تحتاج إلى أية برامج امتلاكية.
    ينبغي للدولة أن تدعو غيرها من الدول للتفاوض بشكل جماعي مع الشركات المصنعة للأجهزة والأدوات الحاسوبية لإخراج المنتوجات المناسبة. فسوف يكون لذلك وزن وأثر أكبر.

    يفترض أمن وسيادة الدولة على المستوى المعلومتي وجود تحكم في الحواسيب التي تشتغل لحسابها. هذا يقتضي تجنب العمل في إطار تقنية saas أو البرامج مصرفة خدماتٍ إلا إذا كان ذلك في إطار وكالة عمومية وفي احترام تام للاختصاصات سواء منها المتعلقة بفصل السلط أو تلك التي تتعلق بمنطق الحكامة. وبشكل عام يجب التحرز من كل ما كم شأنه أن يضعف من سيطرة الدولة على نظامها المعلومتي ولذلك، ينبغي أن يكون كل حاسوب مستخدم في إدارة عمومية قد تم الحصول عليه من طرف جهة منتمية لنفس قطاع السلطة (التنفيذية أو التشريعية أو القضائية) التي تنتمي إليها الإدارة المستخدمة بحيث لا يحق ﻷي جهة خارج إطار قطاع السلطة المعني أن تقرر في من له الحق في الدخول إلى ذلك الحاسوب أو من بإمكانه أن يقوم بصيانته (سواء في ذلك العتاد و البرامج) أو الفصل في البرامج التي يجب أن تثبت عليه. وفي حالة ما إذا كان الجهاز غير محمول، فإنه يتعين استعماله في فضاء تعود ملكيته إلى الدولة أو هو تحت تصرفها بشكل من الأشكال.

    هناك سياسة أخرى تهم تطوير البرامج الحرة وغير الحرة:

    على الدولة ان تشجع المبرمجين على خلق وتطوير البرامج الحرة وكذلك كل من يساهم في تقديمها إلى العموم وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات كالإعفاءات الضريبية مثلا و غيرها من صنوف التشجيعات المالية. وفي المقابل لا تقدَّم أية إجراءات تشجيعية لعمليات التطوير أو التوزيع أو الاستخدام التي تتعلق بالبرامج غير الحرة.
    لا ينبغي أن يسمح لمطوري البرامج الامتلاكية "بتقديم" نسخ للمدارس في مقابل تخفيضات ضريبية مرتكزة على القيمة الاسمية للبرنامج. إذ لا مشروعية للبرامج الامتلاكية داخل المدارس.

    ختاما، هذه إجراءات من شأنها أن تعيد للدولة سيادتها على نظمها المعلومتية، وتعطي كذلك القدرة على التحكم في النظم المعلومتية بالنسبة لعموم المواطنين وشركات ومنظمات البلد.



1 أنظر الأصل الإنجليزي على الرابط الآتي :
  http://www.gnu.org/philosophy/government-free-software.en.html
أو بالفرنسية على الرابط الآتي:
http://www.gnu.org/philosophy/government-free-software.html

2 الرمجيات الحرة : المقابل العربي لـ freeSoftware أو Logiciels Libres

3 المعلومتيات : مقترح لترجمة كلمة Informatics أو L'informatique ونعتقد أنها أفضل من كلمة الإعلاميات وأصح من كلمة المعلوميات أو المعلوماتيات

4 تدبير الحقوق الرقمية هي مقترح ترجمة لمصطلح DRM أو Digital Rights Management أو Digital Restriction Management لمزيد من المعلومات حول تدبير الحقوق الرقمية يرجى مراجعة المقال التالي:
http://fr.wikipedia.org/wiki/Gestion_des_droits_num%C3%A9riques

5 نقصد باﻷوساط الحرة التامة الأوساط التي لا يشتغل عليها أي نوع من البرامج التي لا تحترم الحريات الأربع التي تعترف بها الـFSF (مؤسسة البرمجيات الحرة = Free SoftWare Foundation) كأن يكون نظام التشغيل حرا تاما ولكن يستخدم برامج مكتبية غيرحرة أو العكس وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البرنامج الحر ليس بالضرورة برنامجا مجانيا وإنما هو برنامج يحترم الحريات الأربع المشار إليها آنفا وهي :
حرية0 : حرية تشغيل البرنامج، لأي غرض كان
حرية1 : حرية دراسة كيفية عمل البرنامج، وتعديله ليعمل وفق رغبات الشخص وعليه فلا بد من الوصول إلى الشيفرة المصدرية (source code)
حرية2 : حرية إعادة توزيع نسخ من البرنامج سواء في إطار تجاري أو خيري
حرية3 :حرية توزيع نسخ معدَّلة من طرف من شاء لمن شاء مع ضرورة كفالة نفس الحقوق




:رجمة: فيصل الأمين البقالي

Commentaires